المسؤولية المدنية

المسؤولية المدنية 

تعريف المسؤولية المدنية :
يقصد بالمسؤولية تحمل الشخص العواقب التقصير الصادر عنه أو الأشياء والأشخاص التي يسأل عنها ، فهي في معناها المدني المؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير وإلزام المتسبب بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو جبر الضرر عن طريق التعويض كما حدده القانون .
أما الفقه الاسلامي فقد تحدث عن المسؤولية المدنية وأطلق عليها إسم الضمان ، وقد عرفه وهبة الزحيلي في كتابه نظرية الضمان في الفقه الاسلامي بأنه إعطاء شيء مثل الشيء إن كان من المثليات وقيمته إن كان من القيميات ، وعليه فالضمان في الفقه الاسلامي يعني ما تعنيه المسؤولية المدنية في القانون المدني وهو التزام بأداء تعويض مالي عند الإضرار بالغير ، شريطة أن لا يصل هذا الإضرار إلى مستوى الإضرار بالحق العام ، حيث تقوم هنا المسؤولية الجنائية وتتدخل النيابة العامة مطالبة بمعاقبة المسؤول . 

النظرية الشخصية :
تؤسس هذه النظرية المسؤولية على فكرة الخطأ كأساس جوهري لا تقوم بدونه، فهي تهتم أساسا بسلوك الشخص المسؤول ولا نتصور قيام المسؤولية بغير خطأ ولكن بغير تفرقة بين خطأ عمدي أو غير عمدي ، يستوي في ذلك أن يكون هذا الخطأ واجب الإثبات في حالة المسؤولية عن العمل الشخصي أو أن يكون خطأ مفروضا في حالة المسؤولية عن فعل الغير وعن الأشياء ، إذ أن أساس المسؤولية في جميع هذه الحالات هو الخطأ. 

النظرية الموضوعية :
أدى التقدم الصناعي في نهاية القرن 19 وكثرة المخترعات الميكانيكية وقيام الصناعات الضخمة وانتشار وسائل النقل الآلية إلى توسيع نطاق المسؤولية على أساس اعتبارات العدالة والتضامن الاجتماعي لا على فكرة الخطأ ، فذهب فريق من الشراح وعلى رأسهم سالي و دیموج إلى اعتبار أن من يباشر نشاطا يتحمل نتيجته وعليه أن يعوض الغير الذي يلحقه ضرر منه ، ولو كان سلوكه هذا غير مشوب بخطأ ما.

وعليه فمن يقوم بعمل غير مشروع ما فإنه يتحمل تبعاته ، وفي منطق هذه النظرية المادية أو نظرية تحمل التبعة، فإنه من غير الجائز نفي المسؤولية بنفي الخطأ أو بنفي العلاقة السببية. فالمسؤولية تقوم على الضرر وحده حتى ولو كان السبب مبنيا على قوة قاهرة.

أنواع المسؤولية :

تنقسم المسؤولية إلى مسؤولية قانونية و مسؤولية أخلاقية ، بينما تنقسم المسؤولية القانونية إلى مسؤولية مدنية ومسؤولية جنائية . 

المسؤولية الأخلاقية :
الأخلاق قواعد مثالية نابعة من المجتمع لمحاربة الشر و الدعوة إلى الخير ومكارم الأخلاق ، وعند الإخلال بقاعدة أخلاقية تقوم المسؤولية الأخلاقية تبعا لذلك ، ودائرة الأخلاق أوسع من دائرة القانون ، لذلك كانت المسؤولية الأخلاقية أوسع من المسؤولية القانونية ، لكن الجزاء المترتب عليها لا يكون عن طريق القضاء بل يكون عبارة عن استنكار المجتمع وتأنيب الضمير ، ولا يشترط لقيام المسؤولية الأخلاقية وقوع الإضرار بالغير ، بل يكفي أن يكون الفعل مشينا أو مستنكرا من المجتمع ، لأن الاخلاق تعني ليس فقط بعلاقة الإنسان مع الانسان بل تتعداها إلى علاقة الإنسان بالله وعلاقته بنفسه .

المسؤولية القانونية :
تنقسم إلى مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية

المسؤولية الجنائية :
تنشأ المسؤولية الجنائية عن كل فعل يشكل جريمة بنص القانون ، وتأتي هذه المسؤولية لحماية المجتمع ، والقانون هو من يحدد الجريمة والعقوبة الخاصة بها ، هذه العقوبة لا تأتي على شكل تعويض بل على شكل جزاء جنائي مؤلم فتمس الفرد في حريته أو نفسه أو ماله من أجل ردعه و حمله على الاستقامة ، وأيضا ردع الآخرين ممن تسول لهم أنفسهم المس بسلامة المجتمع وأمنه ، هذا الجزاء الجنائي يتخذ إما شكل عقوبة أو تدبير وقائي ، فالعقوبة تتحدد حسب ما إذا كانت الجريمة جناية أو جنحة أو مخالفة ، ففي الجناية مثلا العقوبة تكون إما سالبة للحرية أو إعداما أو تجريدا من الحقوق الوطنية ، بينما في الجنحة تكون العقوبة إما حبسا من شهر إلى 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 1200 درهم أو هما معا ، بينما في المخالفة لا تتجاوز مدة الاعتقال شهرا واحدا وغرامة لا تتجاوز 1200 درهم ، أما التدابير الوقائية فهي نوع من الاجراءات تصدر بحكم قضائي لتجنب خطورة تكمن في نفسية الجاني ، لكن دون إيداعه السجن حتى لا يحتك بمجرمين أكثر حنكة وتخفيفا من وطأة اكتظاظ السجون .

المسؤولية المدنية :
هي الالتزام بإصلاح الضرر الواقع على الغير بفعل الملتزم أو بفعل الأشخاص  أو الأشياء أو الحيوانات التي يسأل عنها .

المسؤولية المدنية هي مسؤولية قانونية لأنه يترتب عن قيامها جزاءات يفرضها القانون وهي مدنية لأنها ترمي إلى رفع الضرر الواقع على الغير أو إزالته أو إصلاحه أو منح مبلغ من المال كتعويض و جبر للضرر ، وهي مبنية على التزام قانوني سابق مفاده عدم الإضرار بالغير.
الجزاء المدني :
يترتب عند قيام المسؤولية الجنائية الجزاء الجنائي وذكرنا أنه يأتي على شكل عقوبة مؤلمة تمس الفرد في حريته أو بدنه أو حياته أو ماله ، بينما الجزاء المدني هو أكثر تنوعا من الجزاء الجنائي لكنه لا يمس شخص المعني بل هو يمس ماله فقط أو يلزمه بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل الضرر ، فهو جزاء إصلاحي ، يستهدف إصلاح الضرر أو رفعه بالتنفيذ العيني والاجبار على تنفيذ حكم القاعدة التي خالفها أو امتنع عن تطبيقها كلما كان ممكنا من غير إرهاق المدين أو قهر حريته الشخصية .

الجزاء المدني في القانون الروماني كان يختلط مع الجزاء الجنائي ، ولم يتم التمييز بينهما إلا في ظل القانون الفرنسي القديم ، الذي جعل المسؤولية المدنية في شكل تعویض لا تشوبه فكرة العقوبة عندما يقع إخلال بالتزام عقدي أو ضرر بأموال الغير ، و لعل الفضل يرجع إلى الفقيه دوما في التمييز بين المسؤولية الجنائية والمدنية ، وهو ما عليه الأمر اليوم حيث أن الجزاء المدني لا يطال شخص المدين بل أمواله فقط ، تماشيا مع توصيات المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، لكن ما تزال هناك بعض التشريعات التي تنص على حبس المدين إذا لم ينفذ التزاماته المدنية ومن بين هذه التشريعات التشريع المغربي الذي ينص على الاكراه البدني كوسيلة لإجبار المدين على تنفيذ التزاماته المدنية .

أنواع الجزاءات المدنية :

الجزاءات المدنية المكفولة بعدالة خاصة :
- الدفع بعدم التنفيذ : فالدائن في الالتزام التبادلي يستطيع أن يمتنع عن تنفيذ التزامه طالما أن المدين لم يقم بتنفيذ التزامه ، ف234 من ق ل ع . 
- حبس المال : " هو حيازة الشيء المملوك للمدين وعدم التخلي عنه إلا بعد وفاء ما هو مستحق للدائن ، ولا يمكن أن يباشر إلا في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون " ف 291 من ق ل ع .
ـ قطع جذور الأشجار الممتدة : من أرض الجار ، ف135 من ظهير التحفيظ العقاري .

الجزاءات المدنية الماسة بالعقود :
البطلان : جزاء يقرره القانون على عقد اختل فيه ركن من أركان العقد ، كما لو كانت الاهلية منعدمة في حالة الصغير غير المميز أو كان محل الالتزام شيئا أو عملا مستحيلا ، أو كان السبب غير مشروع أو غير موجود أصلا ، أو لاعتبارات تتعلق بالنظام العام فيقضي ببطلان العقد بنص القانون .
الإبطال : جزاء يقرره القانون عند اختلال شرط من شروط صحة العقد ، كما لو كانت إرادة أحد المتعاقدين غير سليمة ، أو بموجب نص قانوني يمنح حق الأبطال لأحد المتعاقدين .

الإجازة والتقادم : العقد الباطل عدم منذ البداية فلا يلحقه تقادم ولا إجازة ، أما العقد القابل للإبطال فهو يرتب جميع آثار العقد الصحيح ويكون لأحد الأطراف الحق في إبطاله ويزول هذا الحق بالنزول عنه وهذه هي الاجازة أو ينقضي بانقضاء مدة معينة دون استعمال هذا الحق وهذا هو التقادم ، فالعقد القابل للإبطال إذن تلحقه الإجازة ويرد عليه التقادم . والإجازة هي عمل قانونی يراد به تصحيح العقد برفع العيب الذي يلحقه ، و يتم بإرادة منفردة و يصدر من جانب من تقرر لمصلحته البطلان النسبي ، وعلى ذلك فهي لا تحتاج إلى أن يقترن بها قبول ولا يمكن الرجوع فيها على أساس أن القبول لم يصدر ، فبالإجازة يستقر هذا الوجود القانوني نهائيا بعد أن كان مهددا بالزوال وهي تختلف عن الإقرار الذي هو عمل قانوني يصدر من شخص خارج عن العقد كما في حالة إقرار الأصيل للعقد الذي أبرمه نائبه خارج حدود نیابته ومثله أيضا بيع ملك الغير فلا ينفذ في مواجهة المالك الحقيقي إلا بإقراره .
الجزاءات المدنية الواردة في قانون المسطرة المدنية :الغرامة التهديدية : ف448 " إذا رفض المنفذ عليه أداء الالتزام بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره وأخبر الرئيس الذي يحكم بالغرامة التهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها " هذه الغرامة طريقة لإجبار المدين على الوفاء بالتزامه من غير استعمال القوة الجبرية .

الحجز على الأموال : فهناك الحجز التحفظي ف452- ف458 وهو إجراء مؤقت غايته التحفظ على أموال المدين بوضعها تحت يد القضاء حماية المصلحة الدائن ، وهناك الحجز التنفيذي وهو إجراء يباشره الدائن بقصد استيفاء حقه من أموال المدين أو من ثمنها بعد بيعها بواسطة السلطة القضائية ، ويقع على المنقولات المادية التي توجد بحوزة المنفذ عليه والمملوكة له حيث يتم بيعها بالمزاد العلني لاقتضاء حق الدائن ، وهناك الحجز الارتهاني ويقع طبقا للقواعد السابقة في الحجز التنفيذي على المنقولات و هو يبدأ حجزا تحفظيا بأمر من الرئيس سواء كان بيد الدائن سند تنفيذي أو لم يكن هذا السند و ذلك لأن الحجز سيحصل بدون إعلان أو تنبيه إلا إذا اختار الدائن الذي بيده سند تنفيذي توقيع الحجز التنفيذي فانه يشترط في هذه الحالة سبق التنبيه و بدون تصحيح الحجز، جاء في الفصل 497 من ق.م.م .
البيع بالمزاد العلني : ويبتدئ بإيداع طلب التنفيذ إما بتحويل الحجز التحفظي على عقار إلى حجز تنفيذي، أو بناء على تحويل إنذار عقاري إلى حجز عقاري، فيقوم مأمور الإجراء بتتبع وتفعيل مقتضيات قانون المسطرة المدنية المغربي، بالإضافة إلى قوانين أخرى خاصة حسب الحالات الواردة في طلبات التنفيذ الجبري.

الاكراه البدني : وهو استعمال القوة الجبرية للحصول على التنفيذ حيث يتم حبس المدين حتى يضطر إلى الوفاء بدينه .

التمييز بين أنواع المسؤوليات :

التمييز بين المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية :
تترتب المسؤولية الأخلاقية عن مخالفة قواعد الأخلاق، فيسأل الانسان أمام المجتمع و أمام الله وأمام ضميره، ولا يترتب عليها أي جزاء قانوني، ولا يشترط لقيام هذه المسؤولية حدوث ضرر للغير، بل يكفي أن ينوي الإنسان ويتمنى شرا لغيره حتى تتحقق هذه المسؤولية، بينما يترتب على المسؤولية القانونية جزاء قانوني جراء مخالفة القانون وهي نوعان مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية .

التمييز بين المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية المدنية :

من حيث النطاق : المسؤولية الأدبية أوسع نطاقا من المسؤولية القانونية، فهي تتصل بعلاقة الإنسان بربه، وبعلاقته بنفسه، وبعلاقته بغيره من الناس ، أما المسؤولية القانونية فتتصل بعلاقة الإنسان مع غيره من الناس فقط .

من حيث تحقق النتيجة : المسؤولية الأدبية تتحقق بمجرد وجود سوء النية ، ولا تتطلب حصول ضرر بالغير بينما تتطلب المسؤولية القانونية حدوث الضرر .

من حيث الجزاء : الجزاء في المسؤولية الأدبية ذاتي يتجلى في مسؤولية الإنسان أمام الله وأمام ضميره وأمام استنكار الناس فهو جزاء معنوي ، بينما الجزاء في المسؤولية القانونية هو جزاء مادي يحدده القانون وتفرضه السلطة العامة جبرا ، نشير إلى أنه لا يمكن الإفلات من العقاب في المسؤولية الأدبية، حتى لو خالف الإنسان قاعدة أخلاقية في الخفاء ، و ذلك لأنها تقوم على الضمير، والفاعل فيها هو الخصم والحكم ، في حين أنه يمكن الإفلات من العقاب في المسؤولية القانونية في حال ما إذا خالف الشخص قاعدة في السر، و ذلك لأن العقاب في مثل هذه الحال تفرضه السلطة العامة ، وإذا لم تعلم هذه السلطة بالمخالفة التي وقعت فلا يمكن لها أن تتدخل وتعاقب الفاعل .

من حيث المعيار : تقوم المسؤولية الأخلاقية على معيار شخصي وهو الضمير ، فيكفي تمني الشر للغير لقيامها ، بينما تقوم المسؤولية القانونية على معيار موضوعي وهو مسؤولية الانسان أمام غيره من الناس .

من حيث الغاية : المسؤولية الأخلاقية تروم تهذيب النفس ونشر الفضيلة والأخلاق في المجتمع بينما المسؤولية القانونية ترمي إلى استقرار النظام وتحقيق العدل و رد الحقوق .
التمييز بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية :
المسؤولية الجنائية تعني تحميل الشخص تبعات افعاله الجنائية المجرمة بمقتضى نص في القانون كالقتل أو السرقة او خيانة الأمانة ، وانطلاقا من هذا المعنى فان المسؤولية الجنائية ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقاب ولا تنفصل عنه ، ونظرا لخطورة الافعال الجنائية و مساسها بالنظام العام فان العقوبات التي حددها المشرع غالبا ما تكون صارمة تتراوح بين الغرامات الزجرية والعقوبات السالبة للحرية و قد تصل الى حد الاعدام في بعض الحالات الخاصة .

وعلى عكس المسؤولية الجنائية التي تترتب على ارتكاب المجرم لأفعال محظورة تضر بالمجتمع فان المسؤولية المدنية لها نطاق ضيق اذ انها تهدف الى حماية مصلحة خاصة يملك فيها المضرور امكانيات واسعة للتنازل عن حقه في التعويض ، لا فرق في ذلك بين أن يكون الضرر ناتجا عن الإخلال بالتزام عقدي أو التزام تقصيري . فالمسؤولية المدنية اذ تعني الزام المسؤول عن الضرر باداء التعويض للطرف المضرور في الحالات التي تتوافر فيها شروط هذه المسؤولية ، لذلك فهي لا تحمل معنى الردع الذي تنطوي عليه المسؤولية الجنائية و انما تفيد معنی جبر الضرر الذي تسبب فيه الشخص المسؤول .
من حيث الأساس القانوني : تنشأ المسؤولية الجنائية عن اقتراف المجرم للأفعال المحظورة بمقتضى فصول القانون الجنائي اذ ان المبدأ هو انه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، اما بخصوص المسؤولية المدنية فانها تترتب على الإخلال بالالتزامات و الواجبات التي يفرضها مبدأ التعايش الاجتماعي سواء كان منصوصا عليها في العقد أو في بنود قانونية او كانت مستخلصة من المبادئ العامة التي تحتم مبدأ احترام حقوق الغير وعدم الاضرار بها ، من ذلك مثلا الاهمال المؤدي إلى إتلاف أشياء الغير أو المنافسة غير المشروعة أو الإخلال بالتزام عقدي .

من حيث الجزاء : نظرا لخطورة الافعال الجنائية فان الجزاء المترتب عنها يتمثل في مجموعة من العقوبات الصارمة كالاعدام و السجن والمصادرة والغرامات والتجريد من الحقوق الوطنية وغيرها من الجزاءات الجنائية التي تأخد طابعا زجريا ، أما الجزاء المدني فهو ينحصر في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أو تعويض المضرور حسب المقدار الذي تراه المحكمة مناسبا لجبر الضرر الذي أحدثه الشخص المسؤول .
من حيث مخولات الحق : باعتبار أن الدعوى الجنائية تقوم على انتهاك الحق العام ، فإنه لا يحق للطرف المضرور التنازل عن مقتضيات الدعوى العمومية بمحض ارادته لانها ليست ملكا له و انما هي حق خالص للمجتمع الذي تمثله النيابة العامة ، وعلى العكس من ذلك فان للمضرور کامل الحرية في التنازل عن مطالبه المدنية لتعلق ذلك بمصلحته الشخصية .

من حيث الاعتداد بعنصر النية : النية ركن من أركان المسؤولية الجنائية ، أما في المسؤولية المدنية فلا يشترط فيها عنصر النية ، فالضرر الناتج عنها يجب تعويضه سواء كان إهمالا أو عمدا رغم أن القضاء يميل إلى زيادة التعويض في حالة العمد.

من حيث تبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية : فيمكن للدعوى المتعلقة بالمطالبة المدنية أن تكون تابعة للدعوى العمومية وليس العكس ، فاذا نتج عن الفعل الواحد دعویان احداهما جنائية والأخرى مدنية كالضرب والجرح المسبب لعاهة بالمضرور ، فان هذا الأخير له الحق في رفع دعوى المطالبة المدنية الى المحكمة الزجرية وذلك في شكل دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية كما أن له الخيار في رفعها بطريقة مستقلة الى المحكمة المدنية .
من حيث التقادم : فلكل من دعوى المسؤولية الجنائية و دعوى المسؤولية المدنية تقادما مستقلا يختلف من حالة الأخرى ، فالدعوى الجنائية تتقادم بمرور 15 سنة من يوم اقتراف الفعل بالنسبة اللجنايات و 4 سنوات بالنسبة للجنح وسنة للمخالفات ، اما بخصوص الدعاوى المدنية فان تقادمها يختلف باختلاف ما اذا كانت عقدية او تقصيرية .

من حيث أطراف الدعوى ونوعيتها : تختلف الدعوى العمومية عن الدعوى المدنية في عدة نقط :
من حيث السبب : فسبب الدعوى العمومية هو الجريمة ، أي ارتكاب فعل مجرم بنص القانون الجنائي ، بينما سبب الدعوى المدنية هو الضرر .
من حيث الموضوع : فموضوع الدعوى العمومية هو حماية المجتمع عن طريق إيقاع العقاب بالمجرم ، بينما موضوع الدعوى المدنية هو حماية مصلحة خاصة عن طريق تعويض الاضرار التي وقعت على هذه المصلحة الخاصة .
من حيث الحضوم : المدعي في دعوى المسؤولية الجنائية هو النيابة العامة التي تنوب عن المجتمع بينما في دعوى المسؤولية المدنية فالمدعي هو المضرور أو من يمثله  .

اجتماع المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية :
قد توجد المسؤولية الجنائية دون المسؤولية المدنية وقد يحدث العكس ، لكن أحيانا أخرى قد تجتمع المسؤوليتان ، كما في حال الضرب أو القتل فتنشأ دعوى جنائية ودعوى مدنية تابعة ، و تؤثر المسؤولية الجنائية على المسؤولية المدنية من عدة أوجه من بينها :
من حيث الاختصاص القضائي : يجوز للمضرور أن يرفع دعواه إما أمام المحكمة المدنية وهنا لا يمكن للمحكمة المدنية أن تبت في الدعوى إلا بعد أن تبت فيها المحكمة الجنائية تبعا لمبدأ الجنائي يعقل المدني ، أو يرفع الدعوى المدنية التابعة أمام المحكمة الجنائية عن طريق الادعاء المدني تبعا للدعوى الجنائية التي تحركها النيابة العامة .

من حيث قوة الأمر المقضي به : فعندما تبت المحكمة الجنائية في الدعوى يحوز هذا الحكم قوة الأمر المقضي به ، وعلى المحكمة المدنية أن تأخذ هذا الحكم بعين الاعتبار ، لكنها غير ملزمة به فهي لا تتقيد بما حكمت به من براءة المتهم مثلا بل هي تكيف الوقائع تكييفا آخر لغرض الحكم بالتعويض ، أما إذا حكمت المحكمة الجنائية ببراءة المتهم فلا يحق للقاضي المدني أن يحكم بالتعويض .

من حيث وقف الدعوى : تأمر المحكمة المدنية بوقف الدعوى المدنية ريثما يتم البت في الدعوى الجنائية .

من حيث التقادم : الدعوى المدنية لا تسقط بالتقادم ما دامت الدعوى الجنائية قائمة .

المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية :

المسؤولية التزام ناشئ عن تصرفات ، فإذا ما أخل أحد بالتزام يقع عليه ترتب على هذا الاخلال مسؤولية مدنية ، فهي جزاء الإخلال بالتزام سابق يترتب عنه تعويض عن الضرر الناجم عن إخلال المسؤول بهذا الالتزام ، فإذا كان مصدر هذا الالتزام هو الإرادة ، كانت المسؤولية المتولدة عنه عقدية ، أما إذا كان مصدر هذا الالتزام هو القانون كانت المسؤولية المتولدة عنه مسؤولية تقصيرية .

المسؤولية العقدية هي جزاء الإخلال بالالتزامات الناشئة عن العقد ، أي عدم تنفيذها أو التأخير في تنفيذها وهي لا تقوم إلا عند استحالة التنفيذ العيني، ولم يكن من الممكن إجبار المدين على الوفاء بالتزاماته العقدية عينة، فيكون المدين مسؤولا عن الأضرار التي يسببها للدائن من جراء ذلك، نتيجة عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد كالتزام فنان بإقامة حفلة ، فيتخلف عن تنفيذ هذا الالتزام العقدي وتمر المناسبة ، فيصبح تنفيذ الالتزام عينية مستحيلا، فهنا وجب العدول إلى التنفيذ بمقابل أو بطريق التعويض بدفع مبلغ من النقود ، أو كمسؤولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، أو مسؤولية البائع عن عدم نقل ملكية المبيع إلى المشتري إذا كان يتصرف فيه بعد البيع .

أما المسؤولية التقصيرية ، فهي التي تنشأ عن الإخلال بالواجبات التي يفرضها القانون ، مثال ذلك ضرورة إحترام حقوق الجوار، أو كمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنسانا او يتلف مالا للغير ، أو كاشتراط القانون عدم الإضرار بالغير، فكل من تسبب في وقوع هذا | الضرر يلزم بأداء التعويض للطرف المضرور. وقد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 77 من ق ل ع بقوله " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألتزم مرتكبيه بتعويض هذا الضرر .

التمييز بين المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية :
بعض الفقه يرى أنه لا تمييز بين المسؤوليتين هؤلاء هم أنصار نظرية وحدة المسؤولية بينما يرى أخرون أن هناك اختلافا بينهما وهم أنصار مذهب ازدواج المسؤولية . 

فكرة ازدواج المسؤولية 
يشكل أنصار نظرية ازدواجية المسؤولية الاتجاه الحديث ، و هم يقولون بأن هناك فروقا هامة ما بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية ، تقتضي وجوب التمييز بينهما حتى يطبق على كل منهما ما | يخصه من أحكام . و يجملون هذه الفروق في الوجوه التالية 

من حيث الأهلية : في المسؤولية العقدية تشترط أهلية الرشد في أغلب العقود ، أما في المسؤولية التقصيرية فتكفي أهلية التمييز ف96 . 

من حيث الاثبات : في المسؤولية العقدية يتحمل المدين عبء اثبات أنه قام بالتزامه العقدي بعد أن يثبت الدائن وجود الحق ، أما في المسؤولية التقصيرية فالدائن هو الذي يثبت أن المدين قد ارتكب عملا غير مشروع.

من حيث التقادم : تتقادم الدعوى في المسؤولية التقصيرية بمرور 15 سنة ( الفصل 106 من قانون العقود والالتزامات) أما المسؤولية العقدية فتتقادم مبدئيا بمرور خمسة عشر سنة مع بعض الاستثناءات كقضايا عقد النقل الجوي حيث ينص الفصل 220 من المرسوم المنظم للطيران المدني والمؤرخ في 7 صفر 1382 موافق 10 يوليوز1962، على أن الأجل سنتان تبتدئ من اليوم الذي وصلت فيه الطائرة او الذي كان يجب أن تصل فيه الى المكان المحدد لها. أو في النقل البحري فالدعاوي الناتجة عن عقدة كراء السفينة تنقضي بمرور سنة واحدة ( انظر الفصل 263 من القانون البحري) .

من حيث الإعذار : في المسؤولية العقدية يشترط اعذار المدين ما عدا في بخلاف المسؤولية التقصيرية التي لا يشترط فيها.

من حيث التعويض : في المسؤولية العقدية لا يكون التعويض إلا عن الضرر المباشر متوقع الحصول ، أما في المسؤولية التقصيرية فيكون التعويض عن أي ضرر مباشر سواء كان متوقعا أم غير متوقع .

من حيث التضامن : لا تضامن في المسؤولية العقدية ، إلا إذا اتجهت إليه إرادة المتعاقدين صراحة وقد أكد المشرع هذه القاعدة في الفصل 164 (ق.ل.ع) الذي جاء فيه: " التضامن بين المدينين لا يفترض، ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أو عن القانون، أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة ". أما في المسؤولية التقصيرية فإن التضامن ثابت بحكم القانون في حال تعدد المسؤولين.

من حيث درجة الخطأ : في المسؤولية العقدية إذا كان الالتزام بتحقيق غاية تقوم المسؤولية عند عدم تحقق النتيجة وإذا كان الالتزام ببذل عناية فلا تقوم المسؤولية عن الخطا اليسير ، بينما تقوم المسؤولية التقصيرية دائما سواء كان الخطأ جسيما أو يسيرا .

من حيث الإعفاء من المسؤولية : في المسؤولية العقدية يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها، ولا يمكن الاتفاق مسبقا على مخالفة قواعد المسؤولية التقصيرية لأن لها علاقة بالنظام العام.
من حيث الاختصاص القضائي : في المسؤولية العقدية تختص المحاكم المدنية فيها دائما بينما في المسؤولية التقصيرية قد تنظر فيها محاكم الاستئناف إذا كان الفعل يعتبر جريمة ، وبالنسبة اللمسؤولية العقدية فالمحكمة المختصة هي محكمة المدعى عليه ما لم يتفق المتعاقدان على محكمة أخرى، أو ما لم يكن القانون قد عين الاختصاص كما هو الشأن في القانون التجاري ، بينما في المسؤولية التقصيرية فهي محكمة المدعى عليه كأصل عام .

من حيث القانون الواجب التطبيق : في المسؤولية العقدية اذا اختلف موطن المتعاقدين فالقانون الواجب التطبيق هو قانون الدولة التي تم فيها إبرام العقد إلا إذا اتفق الطرفان على قانون أخر ، أما في المسؤولية التقصيرية فالقانون الواجب التطبيق هو قانون الدولة التي وقع فيها الضرر .

فكرة وحدة المسؤولية
من أهم المناصرين لهذه النظرية الفقيه بلانيول ، و هي تقوم على فكرة مفادها أن لا محل للتمييز بين المسؤولية العقدية و المسؤولية التقصيرية ، فكلتاهما جزاء لالتزام سابق ، هذا الجزاء إما أن يكون التزاما عقديا و إما أن يكون التزاما قانونيا ، و في كلتا الحالتين تتحقق المسؤولية لسبب واحد هو اخلال المدين بهذا الالتزام ، فالمسؤوليتان تتحدان في السبب و النتيجة ، فتكون طبيعتهما واحدة ولا مجال للتفريق بينهما.
وعلى الرغم من مناصرة فريق من الفقهاء لوحدة المسؤولية المدنية، إلا أن معظم التشريعات المعاصرة أخذت بازدواجية المسؤولية، فجلعت من المسؤولية التقصيرية مصدرا للالتزام، واعتبرت المسؤولية العقدية أثرا من آثار العقد الذي تم الإخلال به.

المسؤولية عن العمل الشخصي :

يتفرع عن المسؤولية التقصيرية مسؤولية عن العمل الشخصي ومسؤولية عن فعل الغير من الأبناء والمجانين والتابعين ثم الاشياء والأشخاص والحيوان التي يسأل الشخص عنها . سنحاول التعرف في هذا المحور على شروط أو ( أركان ) المسؤولية عن العمل الشخصي وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية ، ثم آثار المسؤولية عن العمل الشخصي حيث سنتحدث عن دعوى المسؤولية و مفهوم التعويض .

جاء في الفصل 77 " كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر. " يتضح من خلال الفصل 77 من ق ل ع انه يلزم لقيام المسؤولية أن يكون هناك خطأ، وأن يحدث للغير ضرر، وأن يكون هذا الضرر نتيجة للخطأ 

أركان المسؤولية المدنية :

الركن الأول : الخطأ 
يقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال، والخطأ بهذا المعنى على نوعين ، خطأ عمد ويصطلح عليه بالجرم ، وخطأ بإهمال ويسمي شبه جرم. عرف المشرع المغربي الخطأ في الفصل 78 من ق ل ع بقوله " والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله ، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر".

درجات الخطأ :
يقع الخطأ من الناحية العملية تحت أنواع ودرجات متعددة ولم يتفق الفقهاء على وضع معايير وضوابط من أجل تقسيمها وتمييز كل منها ، إنما لا يزال الأمر محل بحث وجدال وبالرجوع إلى رأي الفقيه بواتيه وهو أحد شراح القانون الفرنسي القديم نجد أنه يرى الخطأ على ثلاث درجات كما كان الحال عليه في القانون الروماني وهي :

الخطأ الجسيم : وهو الخطأ الذي لا يرتكبه أكثر الناس إهمالا وأكثرهم جهلا وقد ألحق هذا الخطأ بالغش وأخذ حكمه لتعارضه مع حسن النية ، أو هو عدم بذل عناية بشؤون الغير بصورة لا تصدر عن أقل الناس حرصا على شؤونهم الخاصة .
الخطأ اليسير : ويعرف عادة بأنه الخطأ الذي لا يقع من شخص متوسط الحرص والعناية ، ويطلق عليه أيضا اسم الخطأ العادي ويفضل بعض الشراح أن يوصف بلفظ ( الخطأ ) مجردا من كل وصف ، ولا يمكن وضع ضوابط محددة للتفرقة بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير ، لذا فإن مرجع الأمر للقضاء بحيث يحكم على كل حالة على حده حسب ظروفها.

الخطأ التافه : وهو الخطأ الذي لا يقع من الشخص شديد الحرص والذكاء ويكفي لوجوده عدم الحذر أو عدم التبصر .

أركان الخطأ :
الخطأ يقوم على ركنين ، ركن مادي يتمثل في إخلال بالتزام قانوني هو " التعدي" و رکن معنوي هو "الإدراك" يدل على أن المخل بالالتزام يدرك أن عمله مضر بالغير.

الركن المادي : التعدي 
مقياس التعدي
أخذ بعض الفقهاء بمعيار شخصي ذلك أن استحقاق المضرور للتعويض أو عدم استحقاقه يتوقف على طبيعة شخص من وقع منه الضرر فيجب أن نعرف حقيقة هذا الشخص لنقف على درجة يقظته أو إهماله حتى يتبين ما إذا كان هناك انحراف في سلوكه أم لا، في حين أخذ فريق آخر بمعيار موضوعي ينظر فيه إلى سلوك شخص مجرد هو سلوك الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس وهو سلوك يقوم على درجة وسطى من الفطنة والتبصر، ومن فضائل هذا المعيار أنه يغنينا عن البحث في أمور خفية تتعلق بشخص المعتدي فيصبح ثابتا بالنسبة إلى الكافة ولا يتغير من شخص إلى آخر وبهذا تنضبط الروابط القانونية وتستقر الأوضاع.
صور التعدي 
الصورة الأولى : مخالفة نص قانونی 
إذا كان القانون قد نص على التزام محدد، فالإخلال بهذا الالتزام يعتبر تعديا يوجب المسؤولية، | فهكذا مثلا يحرم القانون السرقة والضرب وأخذ مال الغير بدون سبب مشروع فالإخلال بما نهى عنه القانون أو بما أمر به يعتبر من قبيل التعدي ويكون مدارا للمسؤولية. وقد خص المشرع المغربي بالذكر في الفصلين 83 و 84 من ق ل ع بعض الالتزامات التي اعتبر الإخلال بها خطأ يوجب المسؤولية ، من ذلك تقديم نصيحة بقصد الخداع أو منافسة غير مشروعة .

الصورة الثانية : مخالفة التزامات قانونية غير محددة في نصوص 
لا يقتصر الخطأ على الإخلال بالتزامات ورد عليها النص في القانون، فهناك التزامات قانونية كثيرة لم يحددها المشرع في نصوص وإنما هي من قبيل الواجبات العامة التي تفرض على الإنسان احترام حقوق الغير والامتناع عن إيذائه، والتي لا سبيل إلى حصرها في نصوص لذلك لم يكن هناك بد من تحديد معيار للسلوك الذي يجب أن يسلكه الشخص بحيث يعتبر انحرافه عن هذا السلوك تعديا .

الصورة الثالثة : التعسف في استعمال الحق 
الأصل أن المسؤولية التقصيرية تتطلب أن يكون الضرر ناجما عن خطأ ، والخطأ لا يتوفر في الحالة التي يستعمل فيها الإنسان حقا له دون أن يجاوز الحدود المرسومة لهذا الحق ، الفقرة الأولى من الفصل 94 ق ل ع، لكن يمكن أن يقع استعمال الحق على نحو يكون فيه الشخص مخطئا، | وهذا ما يسمى بالتعسف في استعمال الحق.

الركن المعنوي : الادراك 
يجب القيام الخطأ أن يكون من ارتكب التعدي مدركا لهذا التعدي أي قادرا على التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر ، فيدرك أن تعديه يلحق ضررا بالغير، فالتمييز هو مناط المسؤولية التقصيرية ، هذه المسؤولية تقوم إذا وجد التمييز وتنعدم إذا فقد ، وهذا ما نصت عليه الفصول 93 96 و 97 من ق لع على النحو الآتي :
1- ففيما يتعلق بصغر السن ، لا يسأل الصبي غير المميز مسؤولية تقصيرية، أما من كان مميزا أي بالغا 12 سنة من عمره ، فإنه يسأل مسؤولية تقصيرية كاملة .
2- المجنون لا يسأل عن العمل الشخصي ما لم يثبت أن العمل الضار قد ارتكب وهو في حالة | إفاقة .
3- الصم والبكم وغيرهما من ذوي العاهات يسألون مبدئيا عن الأضرار الناجمة عن أخطائهم التوافر الإدراك عندهم ما لم يقم الدليل على أنهم لا يتمتعون بالدرجة اللازمة من التمييز لتقدير نتائج أعمالهم الفصل 97 ق ل ع.
4- ينعدم التمييز لغير الصغر والجنون كما في حالة مرض النوم والإصابة بالصرع والإدمان على السكر ، على أنه في مثل هذه الحالات يشترط لانتفاء مسؤولية الشخص ألا يكون فقدان التمييز راجعا إلى خطأ منه الفصل 93 ق ل ع .

الحالات التي لا يكون فيها الخطأ سببا للمسؤولية :
توجد حالات يتوفر فيها الخطأ ومع ذلك لا يترتب على هذا الخطأ أي مسؤوليته ويتحقق ذلك في ثلاث حالات :
ـ إعطاء بيانات غير صحيحة عن حسن نية ودون علم بعدم صحتها ـ مجرد النصيحة والتوصية في غير الحالات المنصوص عليها في الفصل 83 ق.ل.ع  ـ الدفاع الشرعي .

الركن الثاني : الضرر
الضرر هو الأذى الذي يصيب الشخص جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له ، سواء تعلقت هذه المصلحة بشخصه أو ماله أو حريته أو شرفه ، فلا يشترط أن يكون الحق حقا ماليا بل يكفي أن يكون حقا تكفل القانون بحمايته كالحق في الحياة مثلا أو الحق في العمل .

لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية وقوع الخطأ بل لابد أن يترتب على هذا الخطأ ضرر، فالضرر يعتبر الركن الثاني للمسؤولية التقصيرية بل يمكن القول بأن الضرر قوام المسؤولية المدنية لأنه محل الالتزام بالتعويض الذي ينشأ عن الانحراف في السلوك، لذا علق المشرع في الفصلين 7877 تحقق مسؤولية مرتكب العمل الضار على وقوع ضرر للغير، وعليه فإذا انتفى الضرر انتفت المسؤولية ولو كان الخطأ مؤكدا.
والمضرور هو الذي يتحمل عبء إثبات الضرر وله في سبيل ذالك استعمال جميع طرق الإثبات لأننا بصدد إقامة الدليل على واقعة مادية ، وهو أمر يستقل بتقديره قاضي الموضوع ولا يدخل تحت رقابة محكمة النقض .

أنواع الضرر : 
الضرر نوعان ضرر مادي و ضرر معنوي

الضرر المادي : هو الذي يصيب الإنسان في ذمته المالية كأن يتلف شخص متاعا أو مزروعات الأخر ويلحق عيبا بمنقول أو عقارا لغيره ، وإما في جسمه كجروح و رضوض يسببها سائق لأحد المارة.

الضرر المعنوي : هو الذي يصيب الإنسان في مصلحة غير مالية أو هو الألم الذي يصيب الشخص سواء كان ألما جسمانيا أو ألما نفسيا ترتب على المساس بعاطفته أو كرامته أو سمعته.

شروط الضرر :
يشترط في الضرر حتى يكون محلا للتعويض ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون الضرر محققا ، والضرر يعتبر محققا إذا كان حالا أي واقعا فعلا ، كأن يكون المضرور قد مات أو أصابه جرح في جسمه أو لحقه تلف في ماله ، وكذلك يعتبر الضرر محققا إذا كان من قبيل الضرر المستقبلي محقق الوقوع ، كأن يصاب شخص بإصابة تعطله عن العمل في الحال ويكون من المؤكد أنها ستؤثر على قدرته على العمل في المستقبل ، فالتعويض في هذه الحالة يجب أن يشمل الضرر الحال والضرر الذي سيقع في المستقبل ، و يستطيع القاضي أن يقدر الضرر جميعة الحال والمستقبل ، عندها يحكم بالتعويض الواجب كله دفعة واحدة ، وقد لا يكون من المستطاع تقدير الضرر المستقبل في الحال لأنه يتوقف على أمر لم يتبين حقيقته بعد، حينها يجوز للقاضي إما أن يحكم بالتعويض عن الضرر الحال ، ويحفظ للمضرور الحق في أن يطالب بالتعويض عن الضرر المستقبل ، وإما أن يؤجل الحكم بالتعويض حتى يتبين مدى الضرر كله الحال والمستقبل .

الشرط الثاني : أن يطال الضرر حقا أو مصلحة مالية للمدعي ، فلا شك أن المساس بحق مهما كان يتوافر به رکن الضرر، فإصابة شخص في جسمه أو إتلاف ماله ، أو الإساءة إلى سمعته ضرر بغير شك ، لكن قد يحدث الاعتداء ، لا على حق ، وإنما على مصلحة مشروعة يحميها القانون فهنا يجب أيضا التعويض عن الإخلال بهذه المصلحة ، فالقتل قد لا يصيب المضرور لكن قد يصيب شخصا كان يعوله فالضرر يتحقق هنا ويحقق له المطالبة بالتعويض .
الشرط الثالث : أن تكون هذه المصلحة مشروعة ، أي مصلحة يحميها القانون كنفقة الزوجة مثلا.

الركن الثالث : العلاقة السببية بين الخطأ والضرر :
لا يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية أن يكون هناك خطأ من جهة وضرر من جهة أخرى، بل لا بد أن يكون الخطأ الذي ارتكبه المسؤول هو السبب في الضرر الذي أصاب المضرور.

العلاقة السببية تتجاذبها ثلاث نظریات : 

نظرية تكافؤ الأسباب : فاذا اشتركت عوامل عدة في احداث الضرر فأنه يتعين اعتبار كل العوامل متعادلة أو متساوية في احداث الضرر بانها جميعا ساهمت في وقوع الضرر ، أي لولاها لما وقع الضرر .

نظرية السبب المنتج : وتنكر هذه النظرية فكرة تعادل الاسباب بل نجد أصحابها يميزون بين الاسباب العارضة والاسباب المنتجة ويقفون عنده الثانية دون الأولى ويعتبرونها وحدها السبب في أحداث الضرر ، واذا احتج عليهم بأن كلا من السبب المنتج والسبب العارض كان له دخل في احداث الضرر ، يجيبون بأن السببية بهذا المعنى هي السببية الطبيعية ونحن انما نبحث عن السببية القانونية فالسبب المنتج وحده المتسبب في الضرر وليس جميع الأسباب العارضة .
نظرية السبب القريب : أي القريب زمنيا من الضرر ، فذاك هو الضرر المعتبر .

نتائج قيام رابطة العلاقة السببية بين الخطا و الضرر :

الضرر المباشر وحده الذي يجب التعويض عنه 
قد يرتكب شخص فعلا يفضي إلى سلسلة من الأضرار يعقب بعضها بعض ، لنفترض أن شخصا ترك بقرة له ترعى في أرض جاره حيث كانت أبقار الجار ترعى هي الأخرى، وكانت هذه البقرة موبوءة فانتقلت العدوى إلى أبقار الجار، فماتت جميعها، فلم يستطع صاحب هذه الأبقار من زراعة أرضه، فاحتاج إلى المال فاستقرض ولم يتمكن من سداد الدين في الاستحقاق فحجز الدائن أرضه وباعها بثمن بخس ، فهل يسال صاحب البقرة عن كل هذه الأضرار ؟ اختلفت الآراء لكن المشرع المغربي سار في اتجاه اعتبار الضرر المباشر فقط أما الاضرار الأخرى فلا اعتبار لها .

تنتفي المسؤولية التقصيرية إذا كان الضرر قد نشأ عن خطأ المضرور نفسه أو عن حادث فجائي أو قوة قاهرة .

خطا المضرور : 
قد يكون الضرر الذي لحق بالمضرور نتيجة خطأ المضرور وحده، ويكون هذا الضرر نشأ عن خطأ الطرفين المضرور من جهة والمدعى عليه من جهة ثانية، فعلينا إذن أن نبحث في هاتين الفرضيتين :
فرضية خطأ المضرور وحده : قد يحصل أن يثبت المدعى عليه ، أن الضرر الذي يدعی به هو من فعل المضرور نفسه كما لو حاول شخص أن يركب القطار أثناء سيره فتزل قدمه فيسقط ويصاب بجروح ورضوض، ففي مثل هذه الحالة لا مكان للمسؤولية التقصيرية إذ المضرور هو الذي ألحق الضرر بنفسه.

فرضية الخطة المشترك : قد ينشأ الضرر عن خطأ المدعى عليه ففي مثل الحالة فان اشتراك المضرور بفعله في إحداث الضرر الذي أصابه لا يترتب عليه عدم مساءلة المدعى عليه الذي ثبت خطؤه ، وإنما توزع المسؤولية بين الطرفين بحسب جسامة الخطأ الذي صدر من كل منهما.

القوة القاهرة أو الحادث الفجائي:
القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بمعنى واحد عند جمهور الفقهاء، ولتوافر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي يجب توافر الشروط الثلاث التالية : الشرط1: يجب أن يكون الحادث أمر لا يمكن توقعه كالزلزال والفيضان .

يجب أن يكون الحادث مما يجعل تفادي الضرر أمرا مستحيلا لا يستطاع دفعه، والمقصود هنا الاستحالة المطلقة ، فإذا كانت استحالة الدفع نسبية قاصرة على المدين فلا يعفى من المسؤولية . يجب أن لا يكون هناك خطأ من جانب المسؤول أدى إلى وقوع الحادث إذ أن هذا الخطأ يفقد الحادث وصف القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، إذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي السبب الوحيد في وقوع الضرر فان العلاقة السببية بين الخطأ والضرر تكون مفقودة وبالتالي لا تتحقق المسؤولية، أما إذا اشتركت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مع الخطأ من المدعى عليه في إحداث الضرر كان المدعى عليه مسؤولا مسؤولية كاملة لان خطأه هو الذي يعتبر السبب في وقوع الضرر.

آثار المسؤولية عن العمل الشخصي :

دعوة المسؤولية
إذا توافرت المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية ترتب على ذلك أن يلتزم المسؤول بتعويض المضرور عما أصابه من ضرر ، فالتعويض إذن هو الحكم الذي يترتب على تحقق المسؤولية وهو جزاؤها، ما لم يقم المسؤول بدفع هذا التعويض رضاءا فسبيل المضرور للحصول عليه هو إقامة دعوى المسؤولية .

الطريق الاتفاقي للوصول إلى التعويض 
فيتم الاتفاق بين المضرور والمتسبب في الضرر على التعويض ، ويجب توافر أركان المسؤولية | ليقوم الاتفاق صحيحا ، ولا يهم مقدار التعويض هنا أهو مساوي للضرر أم أقل منه أم أكثر منه ، فالعقد في هذا المجال شريعة المتعاقدين .

الطريق القضائي للوصول إلى التعويض ( دعوى المسؤولية ) 
دعوى المسؤولية تمكن المضرور من الحصول على التعويض ، أما إذا سلم المسؤول للمضرور بمسؤوليته عن الفعل الضار وأبدى استعداده لتعويض المضرور واتفق الطرفان على المبلغ ، لم يعد هنالك مجال للمطالبة القضائية .
سنتطرق في دعوى المسؤولية إلى ست نقط وهي :

أولا : أطراف الدعوى 
إن المدعى عليه في دعوى المسؤولية التقصيرية هو الشخص المسؤول عن الضرر اللاحق بالمضرور ، فإذا توفي هذا الشخص المسؤول فالالتزام بالتعويض ينتقل إلى تركته حسب الفصل 105 ق ل ع ، أما المدعي في دعوى المسؤولية فهو الشخص الذي أصابه الضرر، وقد يحصل أن يكون الضرر أصاب عدة أشخاص، فلكل من هؤلاء حق مستقل بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به ، وإذا كان المضرور فاقد الأهلية أو ناقصها فالدعوى تقام من قبل نائبه الشرعي أي من قبل الولي أو الوصي أو المقدم بحسب الأحوال، وفي حالة وفاة المضرور ينتقل حقه بالتعويض إلى ورثته عندما يرفع المضرور الدعوى قبل وفاته .

ثانيا : الإثبات 
المسؤولية عن العمل الشخصي تتطلب أن يرتكب شخص خطأ وينشأ عن هذا الخطأ ضرر لشخص أخر وتقوم علاقة سببية بين الضرر الذي لحق بالمضرور والخطأ الذي ارتكبه المسؤول فعلی من يرفع دعوى المسؤولية التقصيرية أن يثبت هذه الأمور جميعا، وبالتالي أن يقيم الدليل على وجود الخطأ، ثم وجود الضرر ثم قيام رابطة سببية بين الخطأ والضرر، وبوسعه أن يقيم هذا الدليل بجميع طرق الإثبات لاسيما بالشهادة والقرائن .
ثالثا : الاختصاص
من حيث الاختصاص النوعي تقام الدعوى أمام المحكمة الابتدائية وفي حالة كان مبلغ التعويض أقل من 5000 درهم ترفع الدعوى أمام قضاء القرب ، ومن حيث الاختصاص المكاني فللمضرور الخيار بين أن يرفع دعواه أمام المحكمة التي يوجد في دائرتها موطن المسؤول أو أن يرفعها أمام المحكمة التي وقع بدائرتها العمل المسبب للضرر ، وفي حالة كانت المسؤلية عقدية كانت المحكمة المختصة هي محكمة المدعى عليه ما لم ينص العقد على خلافه ، أما إذا كانت الدعوى المدنية تابعة لدعوى جنائية كان له الخيار في رفعها أمام القضاء الجنائي للاستفادة من المسطرة السريعة أو رفعها أمام القضاء المدني .

رابعا : إجراءات رفع دعوى المسؤولية 
القاضي لا يباشر عمله إلا بناء على طلب مفتتح للخصومة ، فحسب الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية تفتتح الدعوى بمقال مكتوب موقع عليه من المدعي أو وكيله أو بتصريح شفوي أمام كتابة الضبط ، ثم تؤدي الرسوم القضائية ، ثم يتم استدعاء المدعي والمدعى عليه من طرف المحكمة إلى جلسة .
خامسا : موانع إقامة دعوى المسؤولية 
1- التنازل ، فالدعوى حق للمدعي يتنازل عنها ساعة يشاء وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى .
2- التقادم ، بمضي خمس سنوات تبتدئ من الوقت الذي بلغ فيه إلى الضرر علم المتضرر ومن هو المسؤول عنه وتتقادم في جميع الأحوال بمضي عشرين سنة تبتدئ من وقت حدوث الضرر، أما المسؤولية العقدية فتخضع للتقادم الخاص بكل عقد ، وقد نص الفصل 387 من ق م م على أن كل الدعاوى الناشئة عن التزام تتقادم بمرور 15 سنة ما عدا الحالات التي يقضي فيها القانون في حالات خاصة حيث يكون التقادم سنة أو سنتين أو خمس سنوات ، ويشترط لبدء التقادم شرطان أولهما أن يعلم المتضرر بحدوث الضرر ثم المسؤول عنه .
3- الحكم النهائي : وهو الحكم الذي لا يقبل الطعن فيه بالاستیناف سواء كان صادرا عن محكمة درجة أولى أو كان صادرا عن محكمة درجة ثانية ، ويعتبر كذلك لأنه يحوز قوة الشيء المقضي به، على أن هذا لا يمنع من الطعن فيه بالنقض أو إعادة النظر لأن هذين الطريقين غير عاديين ولا يحولان دون وصف الحكم بالانتهائية ، فالمتضرر يسقط حقه في الادعاء بالتعويض كلما صدر مقرر قضائي لم يعد قابلا للتعقيب ، فالدعوى المدنية تنقضي بصدور حكم نهائي سواء بالتعويض لفائدة المضرور أو حكم برفضه ، أما الحكم بعدم القبول أو بعدم الاختصاص فلا يعتبر منهيا للدعوى المدنية إط يمكن تجديدها كلما زال سبب عدم القبول أو عدم الاختصاص .
سادسا : طرق الطعن في الحكم الصادر في دعوى المسؤولية 
من الآثار الإجرائية للأحكام القضائية حق الطعن في الحكم ، والقاعدة أن الحكم المنهي للخصومة سواء كان كان حكما إجرائيا أم موضوعيا ينشئ للمحكوم عليه الحق في الطعن فيه لإلغائه أو تعديله بطرق الطعن المقررة قانونا لذلك ، ولا يختلف الحكم الصادر في دعوى المسؤولية عن سائر الأحكام من حيث طرق الطعن ، فهو إذا صدر غيابيا يقبل الطعن بطريق المعارضة ، وإذا | صدر من محكمة درجة أولى يقبل الطعن بطريق الاستیناف ، أما طرق الطعن غير العادية فهي النقض والتماس إعادة النظر ومعارضة الشخص الذي يتعدى إليه الحكم ، أما الطعن بطريق النقض فإن ما تسجله محكمة الموضوع من وقائع مادية في شأن الأركان الثلاثة للمسؤولية لا تعقب عليه محكمة النقض ويبقى لهذه الأخيرة التكييف القانوني لهذه الوقائع .

التعويض
إذا وقع عمل غير مشروع كان للمضرور حق في التعويض عما لحق به هذا العمل من ضرر، وقد أيد المشرع حق المضرور في التعويض في الفصلين 77 و 78 وقرر في الفصول 98، 99، 100 بعض الأحكام الواجبة التطبيق في حقل التعويض. 

وظيفة التعويض 
للتعويض وظيفة تهذيبية تتمثل في ردع السلوك غير الاجتماعي وتهدئة المضرور وإفشاء روح العدالة ، كما أنه يقوم بوظيفة جبر الضرر الحاصل على المضرور فيقوم بإصلاح ما خلفه . 

طبيعة التعويض
التعويض إما أن يكون تعويضا عينيا أو تعويضا بمقابل .

التعويض العيني : هو الذي يتضمن إزالة الضرر بعينه بالقضاء على سبب الضرر کهدم حائط مبني في ارض الغير ، فهذا التعويض لا يقتصر على جبر الضرر بل على محوه من الاساس ، وللتعويض العيني صورتان أولهما رد عين الشيء إلى صاحبه أما الصورة الثانية فهي إعادة | الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع العمل غير المشروع. 

التعويض بمقابل : له طابع تخفيفي من وطأة الضرر ، فهو غالبا ما يكون نقدا يعطى دفعة واحدة لكن قد يكون تعويضا نقديا مقسطا أو إيرادا مدى الحياة ، فالقسط يكون معروفا زمنه بينما الايراد يكون مدى الحياة ، أما التعويض غير النقدي فمثاله كما جاء في الفصل 91 من طلب إزالة المحلات التي تسبب الضوضاء للسكان ، ومن ذلك نشر حكم الإدانة في دعاوى القذف على نفقة المسؤول فهو بمثابة تعويض غير نقدي عن الضرر الأدبي الذي أصاب الضحية . 

نشير هنا إلى 4 قواعد مهمة تحكم مبدأ التعويض : 

القاعدة الأولى : يجب أن يكون التعويض عن الضرر تعويضا كاملا بحيث يشمل الخسارة التي الحقت المدعي والمصروفات الضرورية التي اضطر أو سيضطر إلى إنفاقها لإصلاح نتائج الفعل الذي ارتكب إضرارا به، وكذلك الكسب الذي فاته طبقا للفقرة الأولى من الفصل 98 ق ل ع .

القاعدة الثانية : يجب على المحكمة عند تقديرها للأضرار أن تدخل في اعتبارها جسامة الخطأ الصادر عن المسؤول ، وتراعي ما إذا كان الضرر الذي أصاب المضرور قد نجم نتيجة خطأ عادي أم نتيجة تدليس من المسؤول الفقرة الثانية من الفصل 98 ق ل ع .

القاعدة الثالثة : إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين يعملون متوافقين كان كل من منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج لا فرق بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا ف 99 ق ل ع. 

القاعدة الرابعة : إذا تعدد المسؤولون عن الضرر وتعذر تحديد فاعله الأصلي من بينهم أو تعذر تحديد النسبة التي أسهموا بها في الضرر فانه يحكم عليهم جميعا على وجه التضامن بالتعويض عن الضرر الفصل 100 ق ل ع .

الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية التقصيرية :
قد تبرم اتفاقات بغية تعديل الآثار المترتبة على المسؤولية التقصيرية فما هو حكم هذه الاتفاقات ؟ يجب التمييز بين الاتفاقات التي تبرم بعد تحقق المسؤولية وبين الاتفاقات التي تبرم مسبقا : الاتفاقات التي تبرم بعد تحقق المسؤولية هي اتفاقات صحيحة وتنتج أثارها سواء كان من شأن هذه الاتفاقات الإعفاء أو التخفيف أو التشديد فهكذا يصبح للمضرور أن يتنازل عن حقه في التعويض كما يصح أن يقبل بتعويض أقل، وكذلك يصح أن يلزم المسؤول نفسه بتعويض أبهظ إذ ليس في كل ذلك ما يخالف النظام العام أما الاتفاقات التي تبرم قبل تحقق المسؤولية فهي ممنوعة قانونا وتعتبر عديمة الأثر سواء أكانت هذه الاتفاقات تتعلق بالمسؤولية الناجمة عن جرم وذلك ما ورد عليه النص صراحة في الفصلين 77، 78 ق ل ع .
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -